اذا عاشَ الفتی ستینَ عاماً فنصف العمر تمحقهُ اللَیالي
و نصف النصف یذهب لیس یدري لغفلته یمیناً من شمالِ
و ثلث النصف آمالٌ و حرص ٌ وشغلٌ بالمکاسِبِ و العیالِ
و باقي العمر اسقامٌ و شیبٌ و همٌّ بارتحالٍ و انتقالِ
فحبُّ المرءِ طولَ العمرِِ جهلٌ و قسمتهُ علی هذا المثالِ
أَحُسَيْنُ إنِّيَ واعِظٌ وَمُؤَدِّبُ | فَافْهَمْ فَأَنْتَ العَاقِلُ المُتَأَدِّبُ |
و احفظ وصية والد متحنن | يغذوك بالآداب كيلا تعطب |
أبنيَّ إن الرزق مكفول به | فعليكَ بالاجمال فيما تطلب |
لا تَجْعَلَنَّ المالَ كَسْبَكَ مُفْرَدا | و تقى إلهك فاجعلن ما تكسبُ |
كفلَ الاله برزق كل بريّة ٍ | و المال عارية ٌ تجيء وتذهب |
والرِّزْقُ أَسْرَعُ مِنْ تَلَفُّتِ ناظِرٍ | سبباً إلى الانسان حين يسبب |
و من السيول إلى مقر قرارها | والطير لِلأَوْكارِ حينَ تَصَوَّبُ |
أبنيَ إن الذكرَ فيه مواعظٌ | فَمَنِ الَّذِي بِعِظاتِهِ يَتأَدَّبُ |
إِقْرَأْ كِتَابَ اللِه جُهْدَكَ وَاتْلُهُ | فيمَنْ يَقومُ بِهِ هناكَ ويَنْصِبُ |
بِتَّفَكُّرٍ وتخشُّعٍ وتَقَرُّبٍ | إن المقرب هنده المتقرب |
واعْبُدْ إلَهَكَ ذا المَعارِجِ مخلصا | وانْصُتْ إلى الأَمْثَالِ فِيْمَا تُضْرَبُ |
وإذا مَرَرْتَ بِآيَة ٍ وَعْظِيَّة ٍ | تَصِفُ العَذَابَ فَقِفْ ودَمْعُك يُسْكَبُ |
يا مَنْ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ بِعَدْلِه | لا تجعلني في الذين تعذب |
إِنِّي أبوءُ بِعَثْرَتِي وَخَطِيْئَتِي | هَرَبا إِلَيْكَ وَلَيْس دُوْنَكَ مَهْرَبُ |
وإذا مَرَرْتَ بآيَة ٍ في ذِكْرِها | وَصْفُ الوَسِيْلَة ِ والنعيمُ المُعْجِبُ |
فاسأل إلهك بالإنابة مخلصاً | دار الخلود سؤال من يتقرب |
واجْهَدْ لَعَلَّكَ أنْ تَحِلَّ بأَرضِهَا | وَتَنَالَ رُوْحَ مَساكِنٍ لا تُخْرَبُ |
وتنال عَيْشا لا انقِطَاعَ لوَقْتِهِ | وَتَنَالَ مُلْكَ كَرَامَة ٍ لاَ تُسْلَبُ |
بَادِرْ هَوَاكَ إذا هَمَمْتَ بِصَالِحٍ | خَوْفَ الغَوَالِبِ أنْ تَجيء وتُغْلَبُ |
وإذا هَمَمْتَ بِسَيِّىء ٍ فاغْمُضْ لهُ | و تجنب الأمر الذي يتجنب |
واخفض جناحك للصديق وكن له | كَأَبٍ على أولاده يَتَحَدَّبُ |
وَالضَّيْفَ أَكْرِمْ ما اسْتَطَعْتَ جِوَارَهُ | حَتّى يَعُدَّكَ وارِثا يَتَنَسَّبُ |
وَاجْعَلْ صَدِيَقَكَ مَنْ إذا آخَيْتَهُ | حَفِظَ الإِخَاْءَ وَكَانَ دُوْنَكَ يَضْرِبُ |
وَاطْلُبْهُمُ طَلَبَ المَرِيْض شِفَاءَهُ | و دع الكذوب فليس ممن يصحب |
و احفظ صديقك في المواطن كلها | وَعَلَيْكَ بالمَرْءِ الَّذي لاَ يَكْذِبُ |
وَاقْلِ الكَذُوْبَ وَقُرْبَهُ وَجِوَارَهُ | إِنَّ الكَذُوْبَ مُلَطِّخٌ مَنْ يَصْحَبُ |
يعطيك ما فوق المنى بلسانه | وَيَرُوْغُ مِنكَ كما يروغ الثَّعْلَبُ |
وَاحْذَرْ ذَوِي المَلَقِ اللِّئَامَ فَإِنَّهُمْ | في النائبات عليك ممن يخطب |
يَسْعَوْنَ حَوْلَ المَرْءِ ما طَمِعُوا بِهِ | و إذا نبا دهرٌ جفوا وتغيبوا |
و لقد نصحتك إن قبلت نصيحتي | والنُّصْحُ أَرْخَصُ ما يُبَاعُ وَيُوْهَبُ |
أَبَا لَهَبٍ تَبَّتْ يَدَاكَ أَبَا لَهَبْ | وَتَبَّتْ يَدَاهَا تِلْكَ حَمَّالَة ُ الحَطَبْ |
خذلت نبياً خير من وطئ الحصى | فَكُنْتَ كَمَنْ بَاعَ السَّلاَمَة َ بِالْعَطَبْ |
و لحقت أبا جهل فأصبحت تابعاً | لَهُ وَكَذَاكَ الرَّأْسُ يَتْبَعُهُ الذَّنَبْ |
فَأَصْبَحَ ذَاكَ الأَمْرُ عَارا يُهيلُهُ | عَلَيْكَ حَجِيجُ الْبَيْتِ فِي مَوْسِمِ العَرَبْ |
و لو كان من بعض الأعادي محمد | لَحَامَيْتَ عَنْهُ بِالرِّمَاحِ وَبِالقُضُبْ |
و لم يسلموه أويضرعْ حولهُ | رجال بلاءٍ بالحروب ذوو حسب |
تَرَدَّ رِدَاْءَ الصَّبْرِ عِنْدَ النَّوَائِبِ | تنل من جميل الصبر حسن العواقب |
وَكُنْ صَاحِبا لِلْحِلْمِ في كُلِّ مَشْهَدٍ | فما الحلمُ إلا خير خدنٍ وصاحب |
و كن حافظاً عهد الصديق وراعياً | تذق من كمال الحفظ سمو المشارب |
وَكُنْ شَاكِرا للَّه فِي كُلِّ نِعْمَة ٍ | يثيبكَ على النعمى جزيل المواهب |
وَمَا الْمَرءُ إلاّ حَيْثُ يَجْعَلُ نَفْسَهُ | فَكُنْ طَالِبا في النَّاسِ أَعْلَى المَرَاتِبِ |
وَكُنْ طَالِبَا لِلرِّزْقِ مِنْ بابِ حِلَّة ٍ | يضاعفْ عليك الرزق من كل جانب |
وَصُنْ مِنْكَ مَاءَ الوَجْهِ لا تَبْذِلَنَّهُ | وَلاَ تَسْأَلِ الأَرْذَالَ فَضْلَ الرَّغَائِبِ |
وَكُنْ مُوْجِبا حَقَّ الصَّدِيْقِ إذَا أَتَى | اليك ببرٍ صادق منك واجب |
و كن حافظاً للوالدين وناصراً | لجارك ذي التقوى وأهل التقارب |
و ما طلب المعيشة بالتمني | وَلَكِنْ أَلْقِ دَلْوَكَ مع الدِّلاَءِ |
تجئك بملئها يوماً ويوماً | تجئك بحمأة وقليل ماءِ |
وَلا تَقعُد عَلى كُلِّ التَمَنّي | تَحيلُ عَلى المَقدَّرِ وَالقَضاءِ |
فَإِنَّ مَقادِرَ الرَحمَنِ تَجري | بَأَرزاقِ الرِجالِ مِنَ السَماءِ |
مَقدَّرَةً بِقَبضٍ أَو بِبَسطٍ | وَعَجزُ المَرءِ أَسبابُ البَلاءِ |
لَنِعمَ اليَومُ يَومُ السَبتِ حَقّاً | لِصَيدٍ إِن أَرَدتَ بَلا اِمتِراءِ |
وَفي الأَحَدِ البِناءِ لِأَنَّ فيهِ | تَبَدّى اللَهُ في خَلقِ السَماءِ |
وَفي الإِثنَينِ إِن سافَرتَ فيهِ | سَتَظفَرُ بِالنَجاحِ وَِبالثَراءِ |
وَمِن يُردِ الحِجامَةَ فَالثُلاثا | فَفي ساعَتِهِ سَفكُ الدِماءِ |
وَإِن شَرِبَ اِمرِؤٌ يَوماً دَواءً | فَنِعمَ اليَومَ يَومَ الأَربِعاءِ |
وَفي يَومِ الخَميسِ قَضاءُ حاجٍ | فَفيهِ اللَهُ يَأذَنُ بِالدُعاءِ |
وَفي الجُمُعاتِ تَزويجٌ وَعُرسٌ | وَلذَّاتُ الرِجالِ مَعَ النِساءِ |
وَهَذا العِلمُ لا يَعلَمهُ إِلّا | نَبِيٌّ أَو وَصِيُّ الأَنبِياءِ |
فَكَيفَ بِهِ أَنّي أُداوي جِراحَهُ | فَيَدوى فَلا مُلَّ الدَواءُ |
هي حالان شدة ورخاءِ | و سجالان نعمة وبلاءِ |
و الفتى الحاذق الاديب اذا ما | خَانَهُ الدَّهْرُ لَمْ يَخُنْهُ عَزَاْءُ |
إن ألمت ملمة بي فإني | في الملمات صخرة صماءِ |
عَالِمٌ بِالبَلاَءِ عِلْما بأن لَيْسَ | يَدُومُ النَّعِيمُ والبَلْوَاْءُ |
تغيرتِ المودة ُ والاخاءُ | و قلَّ الصدقُ وانقطعَ الرجاءُ |
و أسلمني الزمانُ إلى صديقٍ | كثيرِ الغدرِ ليس له رعاءُ |
وَرُبَّ أَخٍ وَفَيْتُ لهُ وَفِيٍّ | و لكن لا يدومُ له وفاءُ |
أَخِلاَّءٌ إذا استَغْنَيْتُ عَنْهُمْ | وأَعداءٌ إذا نَزَلَ البَلاَءُ |
يديمونَ المودة ما رأوني | و يبقى الودُّ ما بقيَ اللقاءُ |
و ان غنيت عن أحد قلاني | وَعَاقَبَنِي بمِا فيهِ اكتِفَاءُ |
سَيُغْنِيْنِي الَّذي أَغْنَاهُ عَنِّي | فَلاَ فَقْرٌ يَدُومُ وَلاَ ثَرَاءُ |
وَكُلُّ مَوَدَّة ٍ للِه تَصْفُو | وَلاَ يَصْفُو مَعَ الفِسْقِ الإِخَاءُ |
و كل جراحة فلها دواءٌ | وَسُوْءُ الخُلْقِ لَيْسَ لَهُ دَوَاءُ |
ولَيْسَ بِدَائِمٍ أَبَدا نعِيْمٌ | كَذَاكَ البُؤْسُ لَيْسَ لهُ بَقَاءُ |
اذا نكرتُ عهداً من حميمٍ | ففي نفسي التكرُّم والحَيَاءُ |
إذَا مَا رَأْسُ أَهْلِ البَيْتِ وَلَّى | بَدَا لَهُمُ مِنَ النَّاسِ الجَفَاءُ |
.: Weblog Themes By Pichak :.